English (الإنجليزية) Español (الأسبانية) Italiano (الإيطالية) العربية
لطالما سحرت سيمفونية السماء، وتناغمها، وتلألأها بالنجوم الذهبية البشر منذ العصور الغابرة، واعتقد الإغريق حينها أنّ الأجرام السماوية تعزف على الأوتار الموسيقية أعذب الألحان.
فقد سمع فيثاغورس من ضرب السنادين دليلاً من الله، كما تقول الأسطورة الشعبية. مراقبته لاهتزاز الأوتار (تمددها وانحسارها) أدى إلى اكتشافه علاقة وطيدة بين الرياضيات والموسيقى، وأنّ الأجسام تصدر صوتاً أثناء حركتها. وبالتالي بات مقتنعاً بضرورة إصدار الكواكب السابحة في مداراتها نغمات سماوية، مما أدى إلى سعيه لإيجاد التناغم الفلكي للكون.
وفي عصرنا الحديث، اندفع عالم آخر إلى إجراء تحقيق مماثل. ففي عام 1926، أعرب عالم الفلك الإنجليزي آرثر إدينتجون في كتابه “البنية الداخلية للنجوم” عن أسفه من ان التحقيق في البنى الداخلية للنجوم بعيد المنال عن متناول استكشاف الإنسان أكثر من أي منطقة أخرى في الكون. ففي حين تتوغل التلسكوبات في رصد أعماق الفضاء، تساءل آرثر عن كيفية سبر ما وراء حدود السطح النجمي، وماهية الأداة القادرة على اختراق النجوم والانغماس في أسرارها الخفية.
لكن سرعان ما تهاوى إدعاء آرثر، حيث يمتلك العلماء الآن الوسائل والأدوات القادرة على الغوص في أعماق بنى النجوم الداخلية ودراستها، وهو ما يطلق عليه الآن علم الاستيروسيزمولوجي، علم دراسة موسيقى النجوم.
الاستماع إلى النجوم
لا تعدّ النجوم هادئة، بل تعتبر آلات موسيقية عملاقة ملأى بالموجات الصوتية. ينجرف الضغط العالي داخل النجم الى السطح، مما يؤدي إلى ضغط الغاز أثناء انتشاره بسرعة الصوت، ومن ثمّ ارتداد الضغط أو الموجات الصوتية إلى الأجزاء الداخلية الغازية بشكل واسع. هذا يجعل النجوم أماكن صاخبة تماماً، ومع ذلك، تظل النجوم صامتة بالنسبة إلينا، بسبب استحالة انتقال أصواتها في الفراغ الذي يفصلنا عنها.
هذه الموجات المرتدة تجعل النجم مرتجفاً أو نابضاً، وعندما ينبض النجم ويكون في حالة تضخم وانكماش يصبح أكثر برودة وسخونة، مما تتسبب في إحداث تغيرات دورية في بريقه الضوئي، والتي يمكن اكتشافها بواسطة استخدام التلسكوبات الخاصة.
وبإجراء المعادلات الرياضية والفيزيائية، يمكن للاهتزازات النجمية الكشف عن تفاصيل رائعة حول أسرار باطن النجم، مثل دورانه، ومجالاته المغناطيسية، واحتراقه النووي، وكتلته، وقطره، وعمره، ودورة حياته.
ربما تدرك أنّ سرعة الصوت تختلف وفقاً لاختلاف الوسط الكيميائي الذي تنتقل فيه. فصوت ضحكتك المفعم بالمرح وأنت تتنفس الهيليوم في المناسبات السعيدة يوضح ذلك بالضبط، فالصوت ينتقل أسرع بثلاث مرات عبر القناة الصوتية المليئة بالهيليوم من انتقاله خلال الهواء الثقيل الغني بالنيتروجين الذي نتنفسه عادةً. وبالتالي، يتغير الجرس الصوتي وجودته تبعاً لذلك. ينطبق الأمر ذاته على النغمات الصوتية للنجوم، فعندما ينتقل الصوت من وسط غني بالهيدروجين إلى وسط مليء بالهيليوم، تتغير سرعة النجم أو صوته، مما يفصح ذلك عن التركيب الكيميائي لطبقاته العميقة. فمثلما يختلف صوتك الآن عن صوتك في مرحلة الطفولة، يتغير صوت النجم وفقاً لتقدم عمره، ويتحول الهيدروجين فيه إلى هيليوم.
خفقان إيقاعي
في الوقع نحن نشاهد نجوماً نابضة ذات كتل واحجام مختلفة في جميع مراحل حياتها. عندما يتضخم النجم وينكمش تتضاءل الطاقة وتضيع، وقد يتبادر إلى الذهن السؤال: ما الذي يغذي هذا النبض الذي لا هواد فيه؟
إنّ الحرارة هي احدى الدوافع لخفقان النجم. فحينما يتم ضغط الطبقة الداخلية للنجم، تسخن، ومن ثمّ تقوم بتحويل طاقتها الحرارية إلى طاقة ميكانيكية، فتعمل كمحرك يساهم في تغذية هذه النبضات.
الدافع الآخر هو درجة العتامة. فإذا كانت منطقة معينة في النجم ممتصة للضوء (معتمة)، فإنها تمنع الإشعاع من التسرب، مما يؤدي إلى زيادة الضغط وتضخم النجم. ارتفاع درجة حرارته يساهم في تقليل شدة العتامة مما يسهل انتقال الاشعاع ويدفع النجم للانكماش. هذا الانكماش يزيد العتامة مرة اخرى، وهكذا تتكرر العملية بشكل دوري.
ويعدّ الرنين هو الدافع الثالث، حيث يُعتقد أنه يساهم في تغذية نبضات الشمس، إذ تولّد الحركات المضطربة الكامنة في سطحها ضوضاءً صوتية تجعلها تنبض.
من ناحية أخرى، يكرّس بعض العلماء وظائفهم البحثية لدراسة الذبذبات. تدير شبكة برمنجهام للتذبذبات الشمسية The Birmingham Solar Oscillations Network التابعة لجامعة برمنجهام، مجموعةً من التلسكوبات عن بعد، التي تعمل على مراقبة ورصد الذبذبات الشمسية على مدار الساعة.
كما أحدثت مهمة مسبار كبلير التابع لوكالة ناسا الفضائية، وهي آلة رائعة للبحث عن الكواكب، ثورةً نوعية في علم الاستيروسيزمولوجي (علم دراسة موسيقى النجوم) من خلال مراقبة العتامة الخافتة لأضواء مجموعة متنوعة من النجوم. وقد أُحيل إلى التقاعد في أكتوبر ٢٠١٩، عندما أنهى مهمته العلمية ونفد وقوده.
صوت النجوم
يمكننا ان نشاهد تأثير هذه الموجات الصوتية على ضوء النجم، لكن هل يمكننا سماعها حقاً؟ سيكون من دواعي سرور فيثاغورس وأنت عزيزي القارئ سماع الخبر التالي: نعم يمكننا ذلك. باستطاعتنا تحويل الأصوات في النجم إلى عدة أوكتافات (يستخدم الأوكتاف لقياس المسافات الصوتية-المترجم)، ما يجعلها مسموعةً للأذن البشرية. وبقدر ما يعدّ مثيراً للاهتمام استراق السمع إلى النجوم، إلا أنه يظل في نطاق إثارة البهجة والسرور، وليس في نطاق العلم. يمكنك سماع تأليف موسيقي للنجوم هنا.
استراق السمع على كوكب المريخ
في كانون الاول ٢٠١٩، اختبرنا قوة انجذاب البشر الى النغمات الصوتية للكون، حينما التقط مسبار NASA Insight الدوي المنخفض الغريب لأصوات الرياح على سطح المريخ.
يشتمل مقياس الزلازل فائق الحساسية الذي طورته المملكة المتحدة على مستشعرات قادرة على الكشف عن التقلبات بمقاييس صغيرة جداً لا يمكن تصورها، تصل إلى أقل من طول قطر ذرة الهيدروجين، أو واحد على مليون من عرض شعرة الإنسان. هذا يمكنها حينئذ من سماع أصوات الرياح على سطح المريخ، والذي بالكاد يقع ضمن النطاق الأدنى للسمع البشري، وقد سمعها الجمهور خالصةً نقية، وأثارت ضجةً كبيرةً في الاعلام. من خلال إثارته أحاسيساً مألوفةً لدى البشر اي السمع، يساهم التحفيز السمعي في تأسيس اتصال بشري مع هذه الكواكب السحيقة.
يعمل التحفيز السمعي، إلى جانب التجارب المرئية، على تحريك مشاعر الإنسانية واستشعار مواقعهم وحرية تحركاتهم في الواقع الطبيعي الذي يشغلون مساحته.
بناءً على ذلك، يساهم الاتصال البشري بالفضاء السحيق على خلق معان سامية في الإحساس بذواتهم، وبالآخرين، وبالرسالة الكونية العميقة.
هذا الوعي يقوم على تغذية القرارات الإنسانية، وصياغة معتقداتهم، وبناء هوياتهم تالياً، ومن ثم توجيه سلوكهم.
ربما تحتاج الحضارة الإنسانية ببساطة إلى تحليل معالم الشفرة الموسيقية للكون لتحقيق الازدهار البشري على كوكب الأرض.
ترجمة: بيان القاضي
باحثة أكاديمية معتمدة من أكاديمية publons الدولية، ومركز أسبار للدراسات والبحوث والإعلام. متخصصة في علوم الإعلام والذكاء الاصطناعي والإنسانيات الرقمية. برنامج تدريبي من جامعة هارفارد وMIT الذكاء الاصطناعي والإنسانيات الرقمية. MSc في الإعلام الرقمي. عضو في مبادرة She Speaks Science.
English (الإنجليزية) Español (الأسبانية) Italiano (الإيطالية) العربية
Jamy-Lee Bam, Data Scientist, Cape Town
Paarmita Pandey, Physics Masters student, India
Nesibe Feyza Dogan, Highschool student, Netherlands
Una, writer and educator
Radu Toma, Romania
Financier and CEO, USA
Yara, Lebanon
Be the first to know when a new story is told! Delivered once a month.
Comments